[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]بسم الله الرحمن الرحيم
الذي دعاني لكتابة هذا الكتاب، أنه لم يوجد في الوجود كلِّه شخصية تعرضت للانتقادات والتحريفات كشخصية سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع أنه صلى الله عليه وسلم الشخصية الوحيدة التي سجَّل عنها المؤرخون أدق تفاصيل حياته.
فكلُّ حركاته وسكناته سجَّلوها تسجيلاً دقيقاً بمعايير لا يستطيع الإنسان الآن أن يجد أدقَّ منها في المعايير العلمية، والموازين المادية، التي توزن بها العلوم والنظريات والأعراف. لكن الأعداء بثُّوا في الأمة السُّمَّ في الدسم، وحاولوا - كما يحاولون دائمًاً - أن يشككونا تارة في شخصيته، وآونة في عصمته، وأحياناً في دقَّة ما ورد من سنته. والمؤمن لا بد أن يكون حريصاً على كل ذلك، وفي القرآن آيات وضَّحت ما ينبغي أن نَعْلَمَهُ عن المصطفى صلى الله عليه وسلم من جميع الجهات.
فأما نُطْقُه، فقد قال فيه ربُّه عزَّ وجلّ: ( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى) (3،4النجم). فإذا جاء حديث لم نستوعبه أو لم نفهمه، فنعلم علم اليقين أنه ليس كل ما قيل جاء أوانه، ولا كل ما جاء أوانه جاء زمانه، وهو نبيُّ الختام وقد أتى بالكلام الذي يحتاج إليه الأنام إلى يوم الزحام، فالذي نحتاجه والذين من قبلنا والذين من بعدنا أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فالذي لم نفهمه لأنه ليس لنا لكنه للزمن الذي سيأتي، وكم من أحاديث نبويَّة وقف عندها العلماء السابقون وبيَّنها العلم في هذا الزمان وكانت معجزة لسيد ولد عدنان صلى الله عليه وسلم.
فالحديث العلمي - الذي لم يصل العلم إلى كشفه - لا نقول به ونحاول أن نعلله أو نوجهه، بل نقول كما قال الله عز وجل لنا: ( آمنا به ) ، وآمنا برسوله، وآمنا بكتابه، وآمنا بكل ما قاله نبيُّنا صلى الله عليه وسلم، كل هذا ( كل من عند ربنا) (7آل عمران). وهذا كله ( إن هو إلا وحى يوحى علمه شديد القوى) (4.،5النجم).
كذلك ما بُثَّ في كتب السيرة التي أهلها كانوا على طيب نفس وحسن خلق- ولكنهم لم يتحروا الدقة البالغة في تحقيق بعض الروايات في أمور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - لا يجب أن يقولها مؤمن، ولا أن يستمع إليها مسلم. فنحن دائماً ميزاننا الذي نسمع، أو نقرأ به، أو نقول به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنه معصومٌ بعِصْمَةِ الله عزَّ وجلَّ)؛ معصومٌ في أقواله، ومعصومٌ في أفعاله، ومعصومٌ في أحواله، ومعصومٌ في كل حركاته وسكناته، والذي قال هذا ربُّ العزَّة، حيث قال لهL قل إن صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين )Ÿ{ (162الأنعام).
فنفعل كما كان يفعل سلفنا الصالح، فالأشياء التي يعجزون فيها في هذا الباب، كانوا يرجعون فيها، ويبتهلون فيها، ويستغيثون فيها برسول الله صلى الله عليه وسلم، فيعلِّمُهم بأمر الله في هذا المقام، أو المقصد في هذا الأمر.
وقد ابتغيتُ في هذا الكتاب وجه الله أولاً، والمنافحة عن حبيبه صلى الله عليه وسلم طمعاً في مرضاته ورجاءاً في شفاعته ثانياً، وإظهار الحقِّ المنزَّه عن الهوى والأغراض ثالثاً. فما كان فيه من حقٍّ وصدق وصواب فَمِنْ توفيق الله عزَّ وجلَّ لي، وما كان فيه من سهوٍ أو نسيانٍ أو خطأٍ فمِنْ عجلتي وزللي؛ وإن كان يغفر لي في ذلك قصدي ونيَّتِي، حيث أني أبغي بذلك كلِّه وجه الله والدار الآخرة، ونفع إخواني المسلمين. وأسأل الله عز شأنه أن يدخلني فيمن عناهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (إن أخطأ فله أجر، وإن أصاب فله أجران).