وقال عزوجل: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} 1 فنسخت هذه الآية ما كان قبلها من قبلة. أخبرنا محمّد بن عبد الله العامري، قال: أبنا علي بن الفضل، قال: أبنا محمد بن عبد الصمد، قال: أبنا عبد الله بن أحمد، قال: أبنا إبراهيم بن خريم، قال: بنا عبد الحميد، قال: بنا يونس، عن شيبان عن قتادة {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} قال: نسخ هذا بعد ذلك، فقال الله عزوجل {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} .
قلت: وهذا قول أبي العالية والسدي2.
__________
1 الآية (144) من سورة البقرة.
2 هذه الأقوال الواردة عن قتادة أخرج نحوها الترمذي في سننه5/206؛ في كتاب التفسير وابن جرير في جامع البيان1/400 عن قتادة كما أخرج الطبري نحوها عن السدي من طريق أسباط.
(1/204)
فصل: واعلم: أن قوله تعالى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} 1 ليس فيه أمر بالتوجه إلى بيت المقدس ولا إلى غيره بل هو دال على أن الجهات كلّها سواء في جواز التوجه إليها.
فأما التوجه إلى بيت المقدس فاختلف العلماء، هل كان برأي النبي، صلى الله عليه وسلم واجتهاده، أوكان عن وحي؟ فروي عن ابن عباس وابن جريج أنه كان عن أمر الله تعالى لقوله عزوجل: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلاّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ} 2.
وأخبرنا المبارك بن علي، قال: أبنا أحمد بن الحسين بن قريش، قال: أبنا إبراهيم بن عمر البرمكي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل بن العباس، قال: أبنا أبو بكربن أبي داود، قال: أبنا محمد بن الحسين قال بنا كثير بن يحيى قال: بنا أبي، قال: بنا أبو بكر الهدبي، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قالت اليهود أن محمداً مخالف لنا في كل شيء فلو تابعنا على قبلتنا، أو على شيء لتابعناه، فظن النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا منهم جدّ، وعلم الله منهم الكذب، وأنهم لا يفعلون فأراد الله أن يبين ذلك لنبيه صلى الله عليه وسلم .
__________
1 الآية (115) من سورة البقرة.
2 الآية (143) من سورة البقرة.
والأثر أخرجه الطبري عن ابن عباس وابن جريج. انظر: جامع البيان في تفسير الآية: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ} 2/4.
(1/205)
فقال: إذا قدمت المدينة فصل قبل بيت المقدس، ففعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت اليهود: قد تابعنا على قبلتنا ويوشك أن يتابعنا على ديننا، فأنزل الله عزوجل {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلاّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} 1 فقد علمنا أنهم لايفعلون، ولكن أردنا أن نبين ذلك لك2.
وقال الحسن وعكرمة وأبو العالية، والربيع بل كان برأيه واجتهاده3 وقال قتادة: كان الناس يتوجهون إلى أي جهة شاؤوا، بقوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} ثم أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم باستقبال بيت المقدس وقال ابن زيد: "كانوا ينحون أن يصلوا إلى أي قبلة"4 شاؤوا، لأن المشارق والمغارب لله، وأنزل الله تعالى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هؤلاء يهود قد استقبلوا بيتاً من بيوت الله - يعني بيت المقدس- فصلوا إليه" فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بضعة عشر شهراً، فقالت اليهود: ما اهتدى لقبلته حتى هديناه، فكره النبي صلى الله عليه وسلم قولهم ورفع طرفه إلى السماء فأنزل الله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} 5 .
__________
1 الآية (143) من سورة البقرة.
2 أخرج نحوه الطبري عن ابن عباس وقتادة في جامع البيان2/4-5، وليس فيه (قد تابعنا على قبلتنا ويوشك أن يتابعنا على ديننا).
3 أخرج الطبري هذا القول عن عكرمة والحسن وأبي العالية في جامع البيان2/4.
4 في العبارة قلق في (هـ) وقد جاء فيه: (كانوا ينحوا أن يصلوا إلى أن قبلة)، وفي (م) سقط النون من ينحون، لعله من النساخ.
5 أورد مكيّ بن أبي طالب ما في معناه عن ابن زيد في الإيضاح ص: 110.
(1/206)
أخبرنا المبارك بن علي، قال: أبنا أحمد بن الحسين بن قريش، قال: أبنا أبو إسحق البرمكي، قال: أبنا محمّد بن إسماعيل الوراق، قال: بنا أبو بكر بن أبي داود، قال: بنا محمد بن أيوب قال: بنا أحمد بن عبد الرحمن، قال بنا عبد الله بن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع، قال: حدثني أبو العالية: أن نبي الله خير بين أن يوجه حيث يشاء، فاختار بيت المقدس، لكي يتألف أهل الكتاب ثم وجهه الله إلى البيت [الحرام]1.
واختلف العلماء في سبب اختياره بيت المقدس على قولين:
أحدهما: أن العرب لما كانت تحج ولم تألف بيت المقدس، أحب الله امتحانهم بغير ما ألفوه ليظهر من يتبع الرسول ممن لا يتبعه، كما قال تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلاّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} 2 وهذا قول الزجاج3.
والثاني: أنه (اختاره)4 ليتألف أهل الكتاب، قاله: أبو جعفر ابن جرير الطبري5.
__________
1 ساقطة من (هـ).
وأخرج هذا القول الطبري عن أبي العالية من طريق الربيع في جامع البيان2/4.
2 الآية (143) من سورة البقرة.
3 وأما الزجاج، فهو: بفتح الزاي والجيم المشددة أبو إسحاق إبراهيم بن السري بن سهل الزجاج النحوي، كان عالماً أديباً ديناً صنف كتاباً في معاني القرآن، روى عن المبرد وثعلب وغيرهما، توفي في بغداد سنة 311هـ. انظر: اللباب في تهذيب الأنساب2/62؛ ووفيات الأعيان1/32.
4 في (م): اختار.
5 وهو: الإمام الكبير والمفسر المعروف محمد بن جرير بن يزيد الطبري أبو جعفر، المؤرخ ولد في آمل طبرستان سنة 224هـ، وهو من ثقات المؤرخين، صاحب المؤلفات منها جامع البيان في تفسير القرآن، وأخبار الرسل والملوك، وفي تفسيره ما يدل على علم غزير وتحقيق، توفي رحمه الله ببغداد سنة (310هـ)0 انظر: البداية والنهاية11/145؛ وتذكرة الحفاظ2/351؛ تحد كلام الطبري عن أبي العالية في جامع البيان2/4.
(1/207)
قلت: فإذا ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اختار بيت المقدس فقد وجب استقباله بالسنة، ثم نسخ ذلك بالقرآن.
والتحقيق في هذه الآية أنها أخبرت أن الإنسان أين تولى بوجهه فثم وجه الله، فيحتاج مدعي نسخها أن يقول: فيها إضمار. تقديره: (فولوا وجوهكم) في الصلاة أين شئتم ثم نسخ ذلك المقدر، وفي هذا بعد، والصحيح إحكامها1.
__________
1 قلت: وقد أنكر الطبري والنحاس وقوع النسخ في هذه الآية، وقالا: (لا يوجد هنا ناسخ ولا منسوخ).
وأما ابن هلال فقد أورد قول النسخ وقال: (إن القول بنسخ هذه الآية غلط قبيح).
قال المؤلّف في تفسيره: (وهذه الآية مستعملة الحكم في المجتهد إذا صلى إلى غير القبلة وفي صلاة التطوع على الراحلة، والخائف. وقد ذهب قوم إلى نسخها فقالوا. إنها لما نزلت، توجه رسرل الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس، ثم نسخ ذلك بقوله: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} البقرة 144.
وهذا (مروي عن ابن عباس. قال شيخنا علي بن عبيد الله: وليس في القرآن أمر خاص بالصلاة إلى بيت المقدس، وقوله: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} ليس صريحاً بالأمر بالتوجه إلى بيت المقدس، بل فيه ما يدل على أن الجهات كلها سواء في جواز التوجه إليها، فإذا ثبت هذا، دل على أنه وجب التوجه الى بيت المقدس بالسنة، ثم نسخ بالقرآن).
وقال في مختصر عمدة الراسخ، بعد إيراد آية {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} "ذهب بعضهم إلى أن هذه الآية اقتضت جواز التوجه إلى جميع الجهات فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت المقدس ليتألف أهل الكتاب ثم نسخت قوله تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} وإنما يصح القول بنسخها إذا قدر فيها إضمار تقديره: فولوا وجوهكم في الصلاة أين شئتم، ثم نسخ ذلك المقدر، والصحيح أنها محكمة، لأنها خبر أخبرت أن الإنسان أينما تولى فثم وجه الله، ثم ابتدأ الأمر بالتوجه إلى الكعبة، لا على وجه النسخ.
انظر: جامع البيان1/402؛ والناسخ والمنسوخ للنحاس 15؛ والايجاز في معرفة الناسخ والمنسوخ، ورقة 15 من المخطوط وتفسير زاد المسير1/135؛ ومختصر عمدة الراسخ الورقة الثانية.
(1/208)
ذكر الآية الثامنة: قوله تعالى: {وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ} 1.
قد ذهب بعض المفسرين إلى أن هذا الكلام اقتضى نوع مساهلة للكفار ثم نسخ بآية السيف، ولا أرى هذا القول صحيحاً، لأربعة أوجه:
أحدها: أن معنى الآية: أتخاصموننا في دين الله2 وكانوا يقولون: نحن أولى بالله منكم، لأننا أبناء الله وأحباؤه ومنا كانت الأنبياء وهو ربنا وربكم أي: نحن كلنا في حكم العبودية سواء فكيف يكونون أحق به؟ {وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ} أي (لا اختصاص لأحد به)3 إلا من جهة الطاعة والعمل، وإنما يجازي كلّ منا بعمله. ولا تنفع الدعاوى وعلى هذا البيان لا وجه للنسخ.
والثاني: أنه خبر خارج مخرج الوعيد والتهديد.
والثالث: إنا قد علمنا أعمال أهل الكتاب وعليها أقررناهم.
والرابع: أن المنسوخ ما لا يبقى له حكم، وحكم هذا الكلام لا يتغير فإن كل عامل له (جزاء)4 عمله فلو ورد الأمر بقتالهم لم يبطل تعلق أعمالهم بهم5.
__________
1 الآية (139) من سورة البقرة.
2 أخرجه الطبري عن مجاهد وابن زيد في جامع البيان1/445.
3 في (هـ): لاختصاص الآخرين. وهو تحريف.
4 في (هـ): جزى، وهو تحريف.
5 نقل المؤلف دعوى النسخ هنا في زاد المسير1/152، عن أكثر المفسرين، بدون ردّ ولا ترجيح، وأما في مختصر عمدة الراسخ ورقة 2-3، فقال: بعد عزو دعوى النسخ إلى بعض المفسرين: وفي هذا بعد من وجهين:
أحدا: أن الناسخ ينافي المنسوب، ولا تنافي بين الآيتين.
والثاني: أنه خبر.
قلت: لم تتعرض لدعوى النسخ في هذه الاية أمهات كتب النسخ أصلاً، إنما ذكر ذلك هبة الله في ناسخه (14) وعزاه إلى الجماعة.
(1/210)
ذكر الآية التاسعة: قوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} الآية1.
قد ذكر عن بعض المفسرين أنه قال: معنى الآية فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما. قال: ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} 2 والسعي بينهما من ملة إبراهيم3.
قلت: وهذا قول مرذول: لا يصلح الالتفات إليه، لأنه يوجب إضماراً في الآية ولا يحتاج إليه. وإن كان قد قرئ به فإنه مروي عن ابن مسعود، وأبي بن كعب، وأنس، وابن جبير، وابن سيرين، وميمون بن مهران4 أنهم قرأوا5 (فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما)6، ولهذه القراءة وجهان:
__________
1 الآية (158) من سورة البقرة.
2 الآية (130) من سورة البقرة.
3 ذكر هذا القول هبة الله في ناسخه (14).
4 هو ميمون بن مهران الجزري أبو أيوب الرقي فقيه نشأ بالكوفة ثم نزل ((الرقة). روى عن عمر، والزبير مرسلاً، وعن أبي هريرة وعائشة وابن عباس وابن عمر وغيرهم. ذكره أبو عروبة في الطبقة الأولى من التابعين ووثقه المحدثون، مات سنة 16 أو 17 ومائة هجرية. انظر: التهذيب1/390-392.
5 في (هـ): قرأ بالإفراد، وهو خطأ.
6 أخرج هذه القرأءة الطبري في جامع البيان2/31؛، عن ابن عباس رضي الله عنهما ثم قال: وهو خلاف رسوم مصاحف المسلمين، لو قرأ اليوم بها قارئ كان مستحقاً للعقوبة، لزيادته في كتاب الله ما ليس فيه.
(1/211)
أحدهما: أن تكون دالة على أن السعي بينهما لا يجب1.
والثاني: أن يكون (لا) صلة. كقوله: ما (منعك) أن لا تسجد2 فيكون معناه معنى القراءة المشهورة، وقد ذهب مالك والشافعي وأحمد إلى أن السعي من أركان الحج3 وقال أبو حنيفة وأصحابه: هو واجب (يجزي)4 عنه الدم5.
والصحيح في سبب نزول هذه الآية، ما أخبرنا به أبوبكر بن حبيب، قال: أبنا علي الفضل، قال: أبنا محمد بن عبد الصمد، قال: أبنا ابن حموية، قال: أبنا: إبراهيم بن خريم، قال: بنا عبد الحميد، قال: أبنا عبد الوهاب بن عطاء عن داود، عن عامر، قال: كان على الصفا [وثن]6 يدعى (إساف)7 ووثن على المروة يدعى نائلة، وكان أهل
__________
1 أخرجه الطبري عن أنس بن مالك رضي الله عنه من طريق عبد حميد. انظر: جامع البيان2/30.
2 ذكره الطبري في جامع البيان1/31، ولم يسنده إلى أحد.
3 قال المؤلف في زاد المسير1/164،: "اختلفت الرواية عن إمامنا أحمد في السعي بين الصفا والمروة، فنقل الأشرم أن من ترك السعي لم يجزه حجه. ونقل أبو طالب: لا شيء في تركه عمداً أو سهواً، ولا ينبغي أن يتركه. ونقل الميموني: أنه تطوع".
وأما ابن قدامة، فقد أورد في المغني3/408، أنه ركن، وعزاه إلى الإمام مالك والشافعي، وذكر عن أحمد أنه سنة فقط لا يجب الدم بتركه.
4 في (هـ): محرى، وهو تحريف.
5 أخرج الطبري عن أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمّد نحوه في جامع البيان2/30.
6 ساقطة من (م) وفي (هـ): وثنا بالنصب، وهو خطأ.
7 غير واضحة من (هـ) وفي (م): مساف. وهو تحريف. والصواب ما أثبت عن رواية الطبري والواحدي كما سيأتي.
(1/212)
الجاهلية يسعون بينهما ويمسحون الوثنين فلما جاء الإسلام أمسك المسلمون عن السعي بينهما فنزلت هذه الآية1.
قلت: فقد بان بهذا أن المسلمين إنما امتنعوا عن الطواف لأجل الصنمين فرفع الله عزوجل الجناح عمن طاف بينهما، لأنه إنما يقصد تعظيم الله تعالى بطوافه دون الأصنام2.
__________
1 أخرجه الطبري عن الشعبي وعامر، وذكره الواحدي عن ابن عمر من طريق عمر وابن الحسين، وفيه: (أن ابن عمر انطلق إلى ابن عباس فسأله) ثم ذكر نحو الحديث. انظر: جامع البيان 2/28؛ وأسباب النزول للواحدي 28.
وقد ذكر نحوه هبة الله في ناسخة (14) ولم يعز إلى أحد.
2 قلت: لم يتعرض لدعوى النسخ هنا، أصحاب أمهات كتب النسخ، ما عدا هبة الله، كما أن المؤلف أعرض عن ذكره أصلاً في مختصر عمدة الراسخ، وفي تفسيره.
(1/213)
ذكر الآية العاشرة: قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} إلى قوله: {اللاّعِنُونَ} 1.
قد زعم قوم من القراء (الذين)2 قل حظهم من علم العربية والفقه أن هذه الآية منسوخة بالاستثناء بعدها3 ولوكان لهم نصيب من ذلك، لعلموا أن الاستثناء ليس بنسخ وإنما هو إخراج بعض ما شمله اللفظ، وينكشف هذا من وجهين.
أحدهما: أن الناسخ والمنسوخ لا يمكن العمل بأحدهما إلا بترك العمل بالآخر، وههنا يمكن العمل بالمستثنى والمستثنى منه.
والثاني: أن الجمل إذا دخلها الاستثناء يثبت أن المستثنى لم يكن مراداً دخوله في الجملة الباقية وما لا يكون مراداً باللفظ الأوّل لا يدخل عليه النسخ4.
__________
1 الآية (159) من سورة البقرة.
2 في (هـ): الذي، وهو خطأ.
3 ذكره مكي بن أبي طالب عن يحيى بن حبيب بن إسماعيل الأسدي، ثم قال: إنه وهم منه. انظر: الإيضاح ص: 214.
4 قلت: أورد دعوى النسخ هنا كل من ابن حزم الأنصاري في ناسخه (320) وهبة الله بن سلامة في ناسخه (14)، وابن هلال في ناسخه المخطوط ورقة (17) كلهم قالوا: إنها منسوخة بالاستثناء، ثم رد ابن هلال، على ذلك. وأما المؤلف فقد أورد قول النسخ في كتابيه التفسير 2/166، ومختصر عمدة الراسخ ورقة (3) ثم رد عليه بمثل مارد به هنا.
(1/214)
ذكر الآية الحادية عشرة: قوله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ} الآية1.
ذهب جماعة من مفسري القرآن إلى أن أول هذه الآية منسوخ بقوله [تعالى]2 {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ} 3 وزعم بعضهم أنه إنما نسخ منها حكم الميتة والدم بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أحلت لنا ميتتان ودمان، السمك والجراد، والكبد والطحال" 4 وكلا القولين باطل، لأن الله تعالى: استثنى من التحريم حال الضرورة والنبي صلى الله عليه وسلم استثنى بالتخصيص ما ذكره في الحديث ولا وجه للنسخ بحال5.
__________
1 الآية (173) من سورة البقرة.
2 ساقطة من (هـ)، وفيها: (يقول فيها) وهي زيادة من الناسخ.
3 جزء من الآية المذكورة.
4 رواه الإمام الشافعي في مسنده، وابن ماجه والدارقطني في سننهما عن عبد الله به عمر في كتاب الأطعمة. انظر: مسند الشافعي المطبوع على هامش الأم6/257؛ وابن ماجه2/102؛ والدارقطني 4/272؛. وما بين معقوفين من الحديث ساقطة من (هـ).
5 قلت: وممن عد هذه الآية من المنسوخة ابن حزم في ناسخه ص: 320، وهبة الله في ناسخه ص: 15، وابن هلال في ناسخه المخطوط ورقة (18)، ثم قال ابن هلال
لا يسمى ما يبينه النبي صلى الله عليه وسلم بالتخصيص نسخاً للكتاب العزيز، وهذا خبر مؤكد موجب بحرف التأكيد ناف بالحصر ما عداه). وأما المؤلف فلم يتعرض لدعوى النسخ في تفسيره ولا في مختصر عمدة الراسخ.
(1/215)
ذكر الآية الثانية عشرة: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأْثَى} 1.
ذهب بعض المفسرين إلى أن دليل خطاب هذه الآية منسوخ، لأنه لما قال: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ} اقتضى أن لا يقتل العبد بالحر،وكذا لما قال: {وَالأُنْثَى بِالأْثَى} اقتضى، أن لا يقتل الذكر بالأنثى من جهة دليل الخطاب، وذلك منسوخ بقوله تعالى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} 2 وإلى هذا أشار ابن عباس فيما رواه عثمان بن عطاء3 عن أبيه عن ابن عباس قال: نسختها الآية التي في المائدة {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} 4 وإلى نحو هذا ذهب سعيد بن جبير ومقاتل.
أخبرنا المبارك بن علي، قال: أبنا أحمد بن الحسين بن قريش، قال أبنا أبو إسحق البرمكي، قال: أبنا أبو بكر محمد بن إسماعيل إذنا قال: أبنا أبو بكر بن أبي داود، قال: أبنا يعقوب بن سفيان، قال: بنا يحيى بن
__________
1 الآية (178) من سورة البقرة.
2 الآية (45) من سورة المائدة، وفي (هـ): (والعين بالعين).
3 أما عثمان بن عطاء، فهو ابن أبي مسلم الخراساني أبو مسعود المقدسي ضعيف من السابعة مات سنة (155هـ) وقيل (151هـ). انظر: التقريب 235.
4 ذكره النحاس عن ابن عبامر من طريق جويبير، وهو ضعيف جداً كما قال الحافظ في التقريب (58)، وذكره مكي بن أبي طالب أيضاً عن ابن عباس بدون إسناد. انظر: الناسخ والمنسوخ (16) والإيضاح (114).
(1/216)